عندما أحاول استدعاء ذكرياتي قبل وحين بدايتي هذه المدونة، أجد لسبب ما ضباباً ومشهداً نائياً غير واضح. ليس وكأنني بدأت بالتدوين منذ عقود، ولكن ذاكرتي عادة تطمر الذكريات بعد مدة قصيرة من نسجها، وهذا أمر يحزنني بعمق؛ إلا أنني أعتقد أن هذا لا يعني إستحالة النبش وإخراجها من جديد. لهذا قررت أن أسأل نفسي سؤالاً مختلفاً عل بعض الذكريات تثار وتتبلور: لماذا لدي الرغبة في التدوين؟ فالسبب الذي يدفعني للتدوين اليوم له أصول وجذور من ذلك الوقت وما قبله. وكعادتي، سأكتب لكم عن جزء الأحاسيس والأفكار من بدايتي فهو ما يشكلها كأي أمر اخر في حياتي تقريباً، وكذلك ما تعلمته في الطريق.
السبب الذي يدفعني للتدوين هي رغبة ملحة أن أكون جزءاً من هذا العالم وبالذات جزءاً من مستقبله، وأملٌ أن يكون لي صوتٌ مسموع يوماً ما يذيع صيته في الأرجاء. أعتقد بأن هناك نوع من الخوف يخالجني عند التفكير بحياة دون أثر، ولا أريد أن أرحل يوماً ما دون أن أترك شيئاً يشير إلى وجودي مرة، وأمراً أحدث تغييراً إيجابياً بإذن الله في هذه الدنيا، ويتمثل بإلهام الاخرين ودعمهم ليكونوا أصحاب طموح وهدف وكذلك صنع إسم وسمعة حسنة لنفسي. أريد لهذا الكون أن يسمعني وما أريد أن أقوله ببساطة. إن هذه الرغبة هي الأساس الذي قد شيدت عليه، واستناداً عليها تنوعت اهتماماتي بين الأدب المعبر الذي ينقل الأفكار، والفن الملهم الذي تستمتع به عيون مختلفة، وأمور أخرى لا تزال غير ناضجة وفي طريقها بإذن الله إلى هذا العالم.
بعد تعمقي بالسبب الذي يدفعني للتدوين، أُعطيت نظرة أكثر وضوح عن بدايتي فيه، وحتى أنني تذكرت مدونة قديمة أنشأتها عندما كنت في المتوسطة. في تلك الفترة كنت محتارة حول موضوع إنشاءها بشدة، واعتقدت بأنني لست جاهزة أبداً إلا أنني في النهاية فعلت، وفي نفس الوقت قد صدقت بإعتقادي أنني لم أكن جاهزة لهذه الخطوة. بعد تلك التجربة عرفت بأن التدوين ليس بالأمر السهل والحر كما قد يتصوره البعض، بل هو نشاط معقد ويحتاج جهداً ووقتاً. تعلمت أنه يحتاج النضوج حول الفكرة التي يكتب عنها المدون، فهو يقدم معلومات لمتلقي يكون في كثير من الأحيان قد وهبه الثقة، لهذا يجب أن يكون المدون ملماً بالموضوع وقد دونه بعد دراسة مطولة؛ فالمسؤولية تغلب على هذا العمل، وأي عمل يشمل متلقين في الحقيقة. وهذا من جهة أخرى، سوف يحد المدون كثيراً، وكم من مواضيع أفلتها من يدي وعقلي لعدم معرفتي الكافية بها وعدم قدرتي على التعبير بشكل مناسب عنها. لا أجد كوني محدودة كالسجن في الحقيقة، بل تعلمت، بفضل الله ثم التدوين، بأن لا وجود لشيء كالحرية في هذه الحياة فهي كلها مبنية على معالجة محيطنا بحذر والتعلم منه، وربما تكمن الحرية الحقيقة فيها بالشعور بالرضى عن أنفسنا عندما نختار خيارات حكيمة ونرى ثمارها في حاضرنا. اعتقدت أن التفكير بهذه الطريقة أمر ممتع، وفي نفس الوقت وجدت أنه متناسقاً بشكل مذهل مع شخصيتي وطريقي الذي اخترته لنفسي. بالأحرى أنني لم أكن مدركة لخطة التفكير هذه عندما بدأت بالتدوين، ولكنني شعرت بها بشكل أو اخر تدريجياً.
يرافق مشاعر المسؤولية النضوج عادة، مما يقود إلى الحكمة في النهاية. عندما تشعر بالمسؤولية فأنت تعترف بأنك قد لا تكون متمكنناً بشكل كامل في مجال ما، لهذا تعيد النظر أكثر من مرة بما بين يديك لتتأكد أنك تقوم بالعمل بشكل صحيح. وهذا بكلمات أخرى قد يدعى بالحيطة وعندما تكون محتاطاً فأنت تتأكد من عيش كل لحظة ومن التعلم منها. تعلمت في بدايتي في التدوين بأن أأخذ حيطتي عند كتابة أي موضوع، وأن استخدم المفردات المناسبة، فأنا لا أريد نشر شيء غير مرضي حتى لو كان لدي متلقي واحد. وهذا في النهاية قادني إلى رغبة كبيرة بإيجاد الحكمة، فبها أستطيع تحسين مهارات حُكمي على أفعالي وعلى كتاباتي، ثم أصبح إيجادها أول هدف لدي في هذه الدنيا. بالحكمة نكون متزنين، وتكون لدينا بصيرة عميقة تقيس المحيط بدقة وتستطيع أن تميز الكثير من التفاصيل وتتوقع العديد من النتائج وردات الفعل. أصبحت كلمة الحكمة بارزة وتتكرر كثيراً في حياتي، وربما أن حياتي تتمحور حولها.
كانت بدايتي في التدوين خليطاً من هذه المشاعر التي استطعت تمييزها خلال ممارستي التدوين، وطبقتها على نواحي أخرى من حياتي، مما ساعد في تشكيل شخصيتي وطريقي. أشعر بالرضى التام عن تجربتي في التدوين، وأشكر الله على هذه الفرصة الثمينة التي علمتني الكثير وصنعت لي أهدافاً مستقبلية، وخلالها قابلت العديد من الأشخاص الرائعين الذين أتمنى أن يكونوا جزءاً من مستقبلي في هذه الحياة وما بعدها. عندما تريد فعل أمر ما، تذكر بأن العديد من التفاصيل والأشياء سوف ترافقه وتصحبه إلى حياتك، قد تكون أشخاصاً أو أفكاراً أو علوماً، وقد تكون معاً، لهذا تذكر أن تستفيد من تجربتك بأقصى حد ممكن، وأن تفتح عيونك وعقلك لمحيطك لتجد هذه التفاصيل فهي قد تصبح أغلى وأعظم من التجربة نفسها.
*هذه التدوينة هي مشاركة مع مجموعة من المدوِّنات من مشروع نافذة المدوِّنات. تفقدوا تدوينات أخواتي:
مدونة أمجاد: رحلتي في عالم التدوين
مدونة حنان: مع وللتدوين
مدونة نورينا: عالم التدوين
مدونة أمل: رحلتي في عالم التدوين
مدونة مسك: رحلتي في عالم التدوين
بداية قوية لمستقبل مبهر في التدوين وعالم الكتابة
ردحذفنتشارك التدوين نفسه وهو أن يعطينا صوتًا مسموعًا
يتردد صداه ليحدث فرقًا إيجابيًا حولنا وكل ثقة أننا
سنصل إلى ذلك بإذن الله
ماشاء الله حسيت إنك عارفة طريقك وهدفك ، وهذا شيء مهم لكل مدوّن ،، موفّقة ..❤
ردحذف