الأحد، 26 أبريل 2015

أوقاتٌ متشتتة


في أحد المرات أرسلت لي ابنة خالي رسالة على "الواتس اب" الذي لطالما كرهت استخدامه في الحقيقة، ولكن المسافة حتمت علي أن استخدمه. المهم، أخبرتني عن "السناب شات"، الذي لم يكن لدي أي فكرة عنه في ذلك الوقت سوى شعاره الذي أراه بين الحين والأخر في "الآب ستور" 

شرحت لي البرنامج وفهمته نوعاً ما، وقالت بأنه أفضل من "الإنستغرام" وأسهل استخداماً، ثم طلبت مني أن أحمله، ورفضت، وأخبرتها بأني لا أريد أن أضيف شيئاً اخر غير "الواتس اب" و"التويتر" و"الإنستغرام" ليضيع ويسرق وقتي، إنني أكثر من مكتفية بكمية الأشياء في حياتي. أصرت واستمرت محاولةً اقناعي.. وهذا مستمر إلى الآن.

إنني حقاً مصدومة، ليس بكمية الفراغ لدى الناس هذه الأيام، ولكن كيف يقضونه، وعندما تسألهم شيئاً يجيبونك بهذه العبارة "ما عندنا وقت،" ولكن في الحقيقة هذا صحيح.. إنهم محقون فليس لديهم وقت، فكل وقتهم يطير دون أن يشعروا به. علق الطبيب النفسي إدوارد هالويل عن هذا الموضوع قائلاً، "لم يسبق في تاريخ البشرية أن كان لعقولنا معالجة هذا الكم من المعلومات مثل اليوم. إن لدينا جيلاً من الناس المشغولين جداً في معالجة المعلومات من كل الجهات وهم يخسرون القابلية للتفكير والشعور." لهذا الأيام والأسابيع تنقضي بسرعة كبيرة، واللحظات بدأت تخسر مذاقها لأن الناس لم يعودوا يحاولون تأملها وتأمل جمالها بل يتسابقون لإلتقاط الصور، وتضيع الساعات التي من المفترض أن تقضيها بصحبة من تحب في المراسلات التي يدعي البعض أنها تفي وتكفي متطلبات التواصل الإجتماعي.
   
خسر الناس مهارة الإحساس بالوقت والتركيز. أتذكر نفسي عندما كنت أحاول الرجوع لقراءة الكتب، كنت أواجه الكثير من الصعوبات في التركيز وكنت متشتتة ولم استطع أحياناً فهم ما أقرأ، وكنت أترقب تلك اللحظة التي أنتهي فيها من القراءة وأغلق فيها الكتاب. لم أستسلم وعودت نفسي حتى نجحت ولله الحمد. مهارة التركيز والعيش في الحاضر واللحظة هي مهارة على الجميع أن يحاول استردادها إذا كان قد خسرها، فبدونها فأننا لن نشعر بالوقت وسيضيع بسهولة. كما قال روجر بون، رئيس GIIC، "أنا أعتقد بأن شيئاً واحداً واضح: أن انتباهنا قد قسم إلى مقاطع قصيرة وإن هذا ربما ليس بجيد للتفكير بأفكار عميقة." وأعيد تعليق الطبيب إدوارد هالويل عندما قال، "يخسرون القابلية للتفكير والشعور." تركيزنا قد شتت بواسطة الإنترنت ومواقع وبرامج التواصل الإجتماعي التي لا يكف الناس عن ابتكارها كل يوم، فكل فترة تجد المجتمعات متحمسة ومنساقة نحو برنامج وآب جديد.. وكأنه لا وجود لشيء يشغلهم فعلاً! 

أنا لا أقول بأن علينا رمي أجهزتنا نحو الجدار وأن نعيش بدون تكنولوجيا لبقية حياتنا.. لا أبداً. وسائل التواصل الإجتماعي لها فائدة عظيمة لو استخدمت بحكمة وبالطريقة المناسبة، ففي النهاية إن لها تأثيراً كبيراً على المجتمع. بالنسبة لي فأنا أجدها مكاناً مثالياً لأنشر رسالتي وأفكاري وخبراتي إلى العالم، ولكن هذا لا يعني بأن أجلس كل يومي أمامها وأتوقف عن ممارسة هواياتي ونشاطاتي، فأنا أحب الكتابة والقراءة، وأستمتع بالفن وصناعة الجمال. أريد قضاء يومي وأنا أتأمل كل تلك الأشياء الجيدة في حياتي، أريد أن أشعر بكل لحظة ودقيقة من اليوم، فأنا سأعيش مرة واحدة لهذا أريد أن أمتلك كل ساعة فيها! قبل أن تلتقط صورة لشيء جميل تريد مشاركته توقف لحظة واملأ عيونك منه، تأمله وتنفسه، اشعر به، ثم بعد ذلك التقط الصورة وشاركها مع من تحب.

علينا جميعاً أن نعالج هذه المشكلة، فالله سيسألنا عن هذا الوقت الذي ضيعناه والذي كان بإمكاننا فيه انتاج شيء يذكرنا به الناس بعد رحيلنا، فانهضوا نحو أحلامكم، أو فتشوا عنها.

هناك 4 تعليقات:

  1. ايكا تدوينة بالصميم ��فعلا تركيزنا صار مشتت بسبب مواقع التواصل الاجتماعي،الحل باستخدامها بطريقة معتدلة وباوقات معينة ����يعطيك العافيه عالتدوينة الاكثر من رائعة

    ردحذف
  2. شئ يضيق الصدر فعلاً بالنسبه لي حياتي متركزه على برامج التواصل ولما يفصل النت أجلس فترة مصدومه وكأن اليوم شهر .. مؤخراً أحاول أضبط نفسي واستغل وقتي بحاجة مفيدة ولو كانت كلها على البرامج . تدوينه جميله يا جميلة

    ردحذف
  3. برأيي هذا الموضوع عظيم الإيجابيات وعظيم السلبيات كمان .. لكل شيء ضريبة زي مايقولون ،، لكن هذا زمننا وهذي حياتنا .
    مو لازم نكون نفس الأجيال السابقة نتسلق الجبال ونرعى الحيوانات ، صحيح اننا مبالغين شوي لكن لكل جيل حياة هو يختارها .. ❤

    ردحذف
  4. فعلًا أنا كذا كانت ردة فععلي بالبداية، ما حبيت إضافة برامج تواصل أكثر.. خصوصا إنها تحتم علي أضيف نفس الأشخاص من الأقارب والصديقات المقربين.. لكن بعد ما اقتنعت بالفكرة نسبيًأ صرت أحاول كل فترة أفلتر الحسابات سواء إللي أتابعهم أو حتى إللي يتابعونني لأني لاحظت إن هالبرنامج صار بوابتي للتواصل العفوي مع أحبابي بالذات في الغربة 🙏
    فلكل شيء إيجابياته وسلبياته، وفعلًا أنا معاك في موضوع سرقة الوقت وسرقة الخصوصية في بعض الأحيان، لكن يبقى لكل واحد قوانينه الخاصة في إستخدام البرنامج إللي تخليه يشوف إن البرنامج جميل أو مجرد لعنة حملتها بجوالي 😻

    ردحذف